Posted by: Mermaid | February 8, 2018

خواء

أستيقظ بعد الخامسة صباحًا بقليل. يجب أن أستعد لورشة العمل تلك والتي سأتحدث معظم الوقت بها. بعد مراجعة عرض العمل، أبدأ في الاستعداد لليوم الذي أعلم أنه سيكون طويل جدًا. في طريقي للفندق الذي تقام فيه ورشة العمل، أنهي الاستماع إلي رواية هاروكي موراكاما. يأتي ذلك المقتطف:ا

“No truth can cure the sorrow we feel from losing a loved one. No truth, no sincerity, no strength, no kindness can cure that sorrow. All we can do is see it through to the end and learn something from it, but what we learn will be no help in facing the next sorrow that comes to us without warning.”

تعودت في الأيام الماضية على وجهي المبلل. كلما حاولت ألا أبكي كلما تورم جفناي أكثر. لذا أفتح السدود أمام فيضان الملح حينما يحلو له أن يأتي.ا

ينتهي اليوم الطويل بكثير من الشكر والتقدير من عملائنا. في الطريق لسيارتي أفكر، أأستبدل ذلك النجاح بوجوده معي مرة أخرى؟ أهز رأسي يمنة ويسارًا وأهمس: “لا أرفض نعمك يا ربي وأتمنى استبدالها بأخرى. أرضى بما اخترته لي. رغم انفطار القلب عليه، أرضى بما اخترته لي.”ا

أدلف إلى سيارتي. أتفقد ذلك التطبيق على هاتفي المحمول وأجد أن الوقت المتوقع لوصولي إلى المنزل سيكون بعد ساعة ونصف. ليس بي طاقة للقيادة كل هذا الوقت. أقرر أن أذهب لمشاهدة فيلم في دار سينما يبعد عشرين دقيقة عن الفندق. أرتجف قليلا لأنها المرة الأولى التي أذهب فيها لمشاهدة فيلم بدونك وخاصة في دار العرض تلك المرتبطة بشدة بأوقاتنا معا داخلها. أربت علي وأقول لنفسي: “عاجلا أم آجلا ستذهبين بمفردك. تعلمين أنه يجب أن تقومي بتلك الخطوات المؤلمة حتى يصدق قلبك أنه ليس موجدًا بعد الآن.”ا

أقرر على فيلم مبهج حتى أشعر بالتحسن قليلا. يبدأ الفيلم وتبدأ الأغاني. تتسع ابتسامتي بسعادة وأوشك أن أميل على الشخص على يميني لأخبره كم هي رائعة تلك الأغاني. أتسمر بعد أن أتذكر أنك لست بجواري. تنحدر دموع صامتة. أشعر بالغرابة؛ أبتسم لأنني مستمتعة بشدة بالفيلم وفي نفس الوقت أبكي لأنك لست هنا. لكن جل ما أشعر به هو الخواء. خواء داخلي يكبر قليلا قليلا حتى أصبح مجوفة تماما من الداخل ولا يتبقى منى سوى قشرة خارجية رفيعة. ألا تأتي بعض الرياح الرحيمة فتفتت القشرة لأتحول إلى ذرات تتبعثر في كل إتجاه وتتلاشى؟ا

ينتهي الفيلم بالكثير من السعادة وثقل القلب. داخل سياراتي يخبرني التطبيق أن أمامي 45 دقيقة قيادة إلى المنزل. أشغل أغاني جاز هادئة. أتذكر عندما قدتُ سياراتي من قبل وأنت بجواري ونفس الموسيقى منبعثة من سماعات السيارة. غلبك النعاس يومها فانزلقت في نوم هادئ. طوال فترة قيادتي كنت أختلس نظرات إلى وجهك النائم بابتسامة خفيفة وقلب ممتن لكونك بجواري. الآن، المقعد خالٍ. الآن، المقعد خالٍ.ا

أصل إلى المنزل. يتآمر علي قلة نوم الليلة الماضية، اليوم الشاق، وذلل الإحساس المتفاقم بالخواء والفقد. أندس تحت أغطية سريري وأبعث رسالة لصديقتي المقربة: “سيتركني ذلك الألم الممزق، أليس كذلك؟ سيتركني ذلك الألم الممزق يومًا ما، أليس كذلك؟”ا


Responses

  1. Reblogged this on Random Cairene.

  2. هأنذا أقف مرة أخرى عاجزاً عن التعليق على إحدى كتاباتك.. ولا أدري لماذا.. هل احتراماً لحزنك الراقي؟ أم لأنها تنطق بصدق بين فلا تترك للعقل مجالاً للحديث عنها؟ أم لأنها بوح من روح، فلا مجال للجوارح أن تجاورها؟.. لا أدري.
    ولكن.. أراك ولم يهزمك اليأس بعد.. فمازالت سدودك تنهار أمام طوفان دموع تجرف معها بعضاً مما حملته كتفاك وناءت به. فالدموع.. كما قال الأستاذ يوسف ادريس.. هي ذلك الحد الفاصل بين الأمل واليأس.. الحد الذي نشعر معه أنها تريحنا ولو لحظة من براثن الحزن.. تخرجه من قرار استقر به داخلنا. وتريحنا بأننا لم نتحول لجماد لا يشعر، بل أن ذلك النابض بين أضلعنا قادر على الحركة وان كانت في فلك الحزن والفقد… ولأنه.. لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.. وكلامه حق.. فهو قادر أن يبدل ذلك الفلك للناحية الأخرى.

    إضافة بسيطة
    جربت أن أصيغ كلماتك هذه في صورة خطاب مباشر، الا فلتسمحي لي أن أضعه هنا

    لكنني أفتقدك
    والفقد مثل الموت يئد الأحلام
    أفتقدك.. وعقلي تسكن بداخله.. وقلبي
    وكل دروبهما تمتلئ بإشارات وعلامات لا تعرف إلا اسمك وعنوانك.
    كل دروبهما.. فلماذا أفتقدك؟!
    ولم لا تراك عيني… ألست بالقلب والعقل؟! .. فلماذا لا تراك عيني؟!
    هل جربت الفقد
    حين يسكن ألما داخل انسان؟
    هل جربت الحزن
    أتصوره في هيئتك وشكلك… وذكراك… رغم أنك مصدر بهجتي الوحيد؟

    لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً


Leave a comment

Categories